من المرجح خروج إيطاليا من مشروع البنية التحتية العالمية لبكين، بقيادة الرئيس الصيني شي جين بينغ، وتعد تلك الخطوة مثيرة لغضب الصين.
يُذكر أن إيطاليا هي الدولة الأولى والوحيدة في مجموعة السبع (G7)، التي تنضم إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية (BRI)، في عام 2019.
وصف وزير الدفاع الإيطالي جويدو كروسيتو قرار إيطاليا بالانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق بأنه “مرتجل وشنيع”، وذلك في مقابلة لصحيفة كورييري ديلا سيرا المحلية في 30 يوليو، وذكر أن الصفقة لم تفعل الكثير لتعزيز الصادرات الإيطالية إلى الصين، في حين ارتفعت الصادرات الصينية إلى إيطاليا.
أشار كروسيتو أن إيطاليا لن تواصل مشاركتها في مبادرة البنية التحتية، التي تبلغ قيمتها تريليون دولار، وبذلك يجب أن تطلب روما الانسحاب رسميًا قبل ثلاثة أشهر، من تجديد مذكرة التفاهم، الذي كان سيحدث في مارس 2024.
وأضاف كروسيتو: “القضية اليوم هي: كيفية التراجع [عن مبادرة الحزام والطريق] دون الإضرار بالعلاقات مع بكين، وحرص وزير الدفاع في حديثه أن يؤكد على أن الصين رغم كونها منافس، إلا أنها شريك في الوقت ذاته.
يأتي ذلك وسط إحباطات روما من مبادرة الحزام والطريق، وإعادة تقييم أوسع لموقفها تجاه الصين. في 27 يوليو، رئيسة الوزراء الإيطالية، جيورجيا ميلوني، التقت الرئيس الأمريكي جو بايدن في البيت الأبيض، وتضمن البيان المشترك سبل “تعزيز المشاورات الثنائية والمتعددة الأطراف بشأن الفرص والتحديات التي تطرحها جمهورية الصين الشعبية”، وشددت على “الأهمية الحيوية للحفاظ على السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان”.
عن عدم تجديد إيطاليا مبادرة الحزام والطريق، قال إنريكو فارديلا، الأستاذ في جامعة نابولي ومؤسس منصة البحث “تشاينا ميد”، لمشروع الصين، إن قرار إيطاليا يرسل إشارة معزاها عدم الثقة تجاه مبادرات الصين العالمية، مما يشير إلى “انعكاس الاتجاه التصاعدي للسنوات الذي سبق فيروس كورونا من 2015 إلى 2019، عندما بدا أن مبادرة الحزام والطريق لا يمكن إيقافها”.
وذكرت ميلوني إن الانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق كان “خطأ كبير”، وأشارت أن إدارتها كانت تدرس كيفية الانسحاب من الصفقة خلال العام الماضي، وبعثت الصين دبلوماسي كبير إلى إيطاليا على أمل إقناع البلاد بتجديد صفقة الحزام والطريق، ووصفت وزارة الخارجية الصينية تقارير وسائل الإعلام عن خروج إيطاليا باعتباره “دعاية خبيثة”، تهدف إلى “تعطيل التعاون وخلق الانقسام”.
وأضاف بيان الوزارة أن “الصين مستعدة للعمل مع الدول المشاركة لتعزيز التعاون عالي الجودة في مبادرة الحزام والطريق، وتقديم مساهمات أكبر لتعزيز التنمية المستدامة العالمية والتبادلات بين الحضارات”.
الوعود الاقتصادية من مبادرة الحزام والطريق
في عام 2019 جاء قرار إيطاليا بالانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق، على إثر زيارة مثمرة قام بها شي إلى روما، وانتقد العديدين تلك الخطوة، في عهد رئيس الوزراء الإيطالي آنذاك جوزيبي كونتي، باعتبارها تأييدًا لمبادرة شي التي تقدم بتريليون دولار، وحذروا من أن الخطوة تسمح لبكين بزيادة نفوذها على دول المبادرة، مما يُضعف الوحدة الغربية.
في ذلك الوقت، كانت حكومة إيطاليا وسياستها الخارجية مدفوعة بشكل أساسي بحركة الخمس نجوم (5SM) وشريكها الأصغر، حزب ليجا اليميني، وأشار فارديلا أن قوتهم كانت في أكثر المناطق الصناعية في شمال إيطاليا، وقاموا بتطوير “مصالح ذات صلة في السوق الصينية”.
عانت إيطاليا لتوها من ثلاث فترات ركود خلال عقد من الزمان، وكانت تتطلع إلى جذب الاستثمار وتوسيع وصول الصادرات الإيطالية إلى سوق الصين الضخم، وشعر العديد من الإيطاليين أيضًا بأن أوروبا تخلت عنهم، بينما أصبحت إدارتها الشعبوية السابقة مُتشككة في الاتحاد الأوروبي.
وأضاف فارديلا “مثّلت الصين للبعض كفرصة مفيدة للتحوط وتعظيم الاستقلال الذاتي – مع الفوائد الاقتصادية – وكبديل اقتصادي جذاب وفي بعض الحالات سياسي”.
نهاية العصا القصيرة؟
زعمت روما أن وعود بكين التجارية تراجعت في السنوات الأربع، منذ أن أصبحت عضوًا في مبادرة الحزام والطريق. لا تزال إيطاليا تعاني من عجز تجاري كبير مع الصين، على الرغم من إعادة التوازن إلى تلك العلاقة الاقتصادية كونها أحد الأسباب الرئيسية لانضمام روما في المقام الأول.
تختلف أرقام التجارة، ولكن وفقًا لبعض التقديرات، فإن الصادرات الإيطالية إلى الصين تسجل زيادة متواضعة 14.5 مليار يورو (15.9 مليار دولار) في 2019 إلى 18.5 مليار يورو (20.2 مليار دولار) في 2022، ومع ذلك، شهدت الصادرات الصينية إلى إيطاليا زيادة أكبر بكثير من 33.5 مليار يورو (36.6 مليار دولار) إلى 50.9 مليار يورو (55.6 مليار دولار) أكثر خلال نفس الفترة.
تظهر البيانات من مجموعة “روديوم” أن الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني (FDI) في إيطاليا أيضًا انخفض بشكل حاد من 650 مليون دولار في عام 2019 إلى 20 مليون دولار فقط في عام 2020، قبل أن يرتفع مرة أخرى إلى 33 مليون دولار في عام 2021، بينما من المحتمل أن يكون لوباء كوفيد تأثير كبير على هذه الأرقام، إلا أنها تتوافق مع اتجاه أوسع لاستثمارات الصين المتراجعة في أوروبا.
وفي الوقت نفسه، تقع أكبر استثمارات الصين في المنطقة مع دول أوروبية أخرى، وقد فاقت استثماراتها في إيطاليا بكثير، لا يزال الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني في أوروبا يتركز بشكل كبير في ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وهولندا – ولا يوجد أي منها أعضاء في مبادرة الحزام والطريق، وقالت ميلوني في مايو إن “إيطاليا هي العضو الوحيد في مجموعة السبعة الذين وقعوا على مذكرة الانضمام إلى [مبادرة الحزام والطريق]، لكنها ليست الدولة الأوروبية أو الغربية التي تتمتع بأقوى العلاقات الاقتصادية والتدفقات التجارية مع الصين”.
“أخطأت الحكومة في ذلك الوقت في تقدير الاتجاهات التي أثرت على النظام الدولي في ذلك الوقت (بسبب قلة الخبرة في المقام الأول)، وفشلت في توقع التغييرات السريعة التي حدثت لاحقًا، لا سيما فيما يتعلق بما قد يعنيه تدهور العلاقات الصينية الأمريكية بالنسبة لإيطاليا كدولة أوروبية و أمة غربية “، قالت جوليا سكيوراتي، الباحثة في جامعة ترينتو، لمشروع الصين.
روما تحاول عدم حرق الجسور مع بكين
في غضون ذلك، شهدت إيطاليا تحولات عميقة في سياستها الداخلية، منذ الانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق، تولت أربع حكومات مختلفة دفة القيادة، مما يمهد عودة إيطاليا إلى أنظمة التحالف التقليدية التي تفضل نهجًا أكثر أوروبية.
وفي 1 أغسطس نُشر مقال بصحيفة جلوبال تايمز يقول إن إيطاليا “سعت إلى طمأنة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأن اتفاق الحزام والطريق مع بكين ليس ملزمًا قانونًا، ولا يقوض التزام إيطاليا بتحالفاتها مع الدول الغربية، ولكن تعثرت إيطاليا اقتصاديًا بسبب العقوبات الروسية بسبب الحرب في أوكرانيا”، وحذر المقال من أن يُصبح انسحاب إيطاليا من مبادرة الحزام والطريق ندم في المستقبل لها، وشدد على أن روما “عليها العثور على طريقة لتخليص نفسها من مبادرة الحزام والطريق دون حرق الجسور مع بكين”.
وذكر المقال أيضًا “لا مصلحة لإيطاليا في الإضرار بعلاقاتها [مع] بكين حتى هذه النقطة. لن تغلق الباب وستبذل قصارى جهدها للتفاوض على مخرج سلس لا يترجم إلى فقدان ماء الوجه لبكين، وقد يفتح في الواقع مرحلة أكثر استقرارًا ويمكن التحكم فيها من العلاقات الثنائية”.
يأتي قرار إيطاليا في الوقت الذي تكثف فيه الحكومات الأوروبية رقابتها على الاستثمار الصيني في المنطقة: منذ ذلك الحين قام الاتحاد الأوروبي بتسمية الصين “منافس اقتصادي” و”منافس منهجي”، بينما تؤكد أيضًا على طرق “إزالة المخاطر” دون الانفصال عن الاقتصاد الصيني.