انعقد منتدى كوبوتشي الدولي التاسع للصحراء، في الفترة من 25 إلى 27 أغسطس، في أوردس بمنطقة منغوليا الداخلية ذاتية الحكم بشمالي الصين، وشارك برونيسلاف كوموروفسكي، الرئيس البولندي السابق الذي تمت دعوته، انطباعاته حول الحدث في مقابلة مع صحيفة جلوبال تايمز مؤخرًا.
بعد الاستماع إلى آراء الخبراء المحليين والأجانب حول تدابير وتجارب مكافحة التصحر في الصين في المنتدى، أشار كوموروفسكي إلى أن تجربة مكافحة التصحر في كوبوتشي هي نموذج مصغر للحضارة البيئية الصينية، وأعجب الرئيس البولندي السابق باستخدام منغوليا لتكنولوجيا عالية لتطوير اقتصادها في الصحراء.
وتابع بقوله “ما أثار إعجابي هو زيادة المساحة الخضراء في صحراء كوبوكي والتكنولوجيا الحديثة التي يتم تطبيقها في إنتاج الطاقة، ويمكن ملاحظة أن الحكومة الصينية تولي أهمية أكبر لقضايا حماية البيئة الإيكولوجية والتنمية المستدامة، وهو ما يتماشى مع مع الجهود العالمية لحماية البيئة”.
وباعتبارها مشاركًا مهمًا في مبادرة الحزام والطريق التي اقترحتها الصين، أشار كوموروفسكي إلى أن بولندا نفذت أيضًا بنشاط تحولًا أخضر في السنوات الأخيرة،وقال الرئيس السابق إنه معجب بمساعدة الصين المستمرة للدول الأخرى في تنمية الاقتصادات الإيكولوجية والخضراء، وأنه يرى أيضًا فرصًا واسعة للتعاون بين الصين وبولندا التي تستفيد من تبادل الخبرات في مجال حماية البيئة الإيكولوجية وتطوير الطاقة الخضراء.
المعجزة الخضراء في الصحراء
وأثار موضوع منتدى هذا العام اهتمام الرئيس البولندي السابق، وهو “العلم والتكنولوجيا يقودان السيطرة على الصحراء، ويجعلان الصحارى مفيدة للبشرية”، مُشيرًا إلى أن “التركيز الوحيد للصين الآن لم يعد ينصب على مكافحة التصحر، بل يجمع بين السيطرة على الصحراء والتنمية الصناعية لتحقيق التنمية المشتركة للبيئة والصناعة والمجتمع، وهو ما يجلب فرص تنمية جديدة لسكان المناطق الصحراوية”.
صحراء كوبوكي هي سابع أكبر صحراء في الصين، وتُشكل حزامًا رمليًا أصفر ضخمًا باتجاه شمال هضبة أوردوس، على بعد 800 كيلومتر فقط من بكين، وعُرفت تلك الصحراء ذات يوم باسم “بحر الموت”.
عندما تأسست جمهورية الصين الشعبية، كانت صحراء كوبوكي تتقدم عشرات الأمتار نحو شاطئ النهر الأصفر كل عام. وبعد عشرات السنين من الإدارة المضنية، أصبح ثلث صحراء كوبوتشي التي تبلغ مساحتها 14100 كيلومتر مربع الآن مغطى بالنباتات الخضراء، أجرت وزارة العلوم والتكنولوجيا الصينية تحليلًا عن بعد للتغيرات الصحراوية على مدى السنوات العشرين الماضية، مما أثبت أن الغطاء النباتي في منطقة المعالجة الأساسية لصحراء كوبوتشي قد وصل إلى 65 في المائة، بزيادة تزيد عن 30 بالمئة مقارنة بما كانت عليه قبل 10 سنوات
ويعتبر كوموروفسكي، الذي شارك في منتدى صحراء كوبوكي الدولي السادس عام 2017، نفسه شاهدًا على التغيرات في صحراء كوبوكي “ما حدث في صحراء كوبوتشي هو حالة نموذجية لاستخدام التكنولوجيا لمكافحة التصحر، يمكننا أن نرى أنه في ظل فرضية الحوكمة الفعالة والحماية الصارمة، تبنت الصين نهجًا صناعيًا موجهًا نحو السوق، ودمج الوقاية من التصحر بشكل فعال والسيطرة على التنمية الاقتصادية المحلية، مع زيادة دخل السكان المحليين”.
كما أعرب كوموروفسكي عن اهتمامه باستخدام الصين للتكنولوجيا، لتطوير طاقة جديدة كوسيلة هامة للسيطرة على الصحراء. على سبيل المثال، قام مشروع التحكم في صحراء كوبوكي وحماية النهر الأصفر التابع لمجموعة موارد إليون، بتطبيق نظام التحكم والحماية في الصحراء الكهروضوئية البيئي.
وقد اغتنمت الشركة الفرصة الاستراتيجية المتمثلة في تحقيق ذروة انبعاثات الكربون في الصين وأهداف حياد الكربون، حيث استثمرت في بناء مشروع للطاقة الكهروضوئية ثلاثي الأبعاد للتحكم في الصحراء في صحراء كوبوكي بقدرة 3.2 جيجا وات، بقدرة توليد طاقة سنوية تبلغ 5.5 مليار كيلوواط/ساعة.
وفي الوقت نفسه، قامت شركة إليون ببناء نظام زراعي بيئي أخضر، حيث قامت بزراعة العشب والمحاصيل والأعشاب الطبية تحت الألواح الكهروضوئية في مزرعة شمسية بقدرة 150 ألف مو، مع تطوير السياحة البيئية أيضًا، ونجحت حتى الآن في انتشال 102 ألف شخص من الفقر في المنطقة الصحراوية، مما أدى إلى تسريع عملية تنشيط الريف.
وأضاف أن “الحكومة الصينية قادت الشركات والمجتمع إلى الاستكشاف المستمر للابتكارات التكنولوجية لمكافحة التصحر، مما جعل المزيد من الناس يدركون أنه طالما تم استخدامها بشكل معقول، يمكن للصحراء أن تصبح فرصة وموردًا قيمًا ومصدرًا للثروة”.
المنتدى الوحيد المعني بمكافحة التصحر
يعد منتدى كوبوتشي للصحراء، هو المنتدى الدولي الوحيد واسع النطاق المعني بمكافحة التصحر في الوقت الحالي، وقد أصبح الآن منصة مهمة لتبادل الآراء حول الاستجابات العالمية لتحديات التصحر، وقال كوموروفسكي إنه من خلال المنتدى، سيتم إجراء المزيد من التبادلات لإيجاد نقاط التقارب المشتركة لصالح العديد من الأطراف.
يشكل تصحر الأراضي تحديًا خطيرًا يواجه العالم أجمع. وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة فإن مساحة الأراضي المتصحرة تمثل ربع مساحة اليابسة على الأرض، وتؤثر على خمس سكان العالم، وتتسع بمعدل 50 ألف إلى 70 ألف كيلومتر مربع سنويا، مما يسبب خسائر اقتصادية تصل إلى 42 مليار دولار سنويًا.
خلال العقد الماضي نجحت الصين في السيطرة على الرمال، على مساحة 282 مليون مو (18.8 مليون هكتار) من الأراضي، مما أدى إلى تقليص مساحة الأراضي الرملية بأكثر من 64.9 مليون مو، مما ساهم في 25 في المائة من الزيادة الخضراء في العالم.
وقال كوموروفسكي “إن الزيادة في الغطاء الحرجي في كل شبر من أراضي الصين لا تعود بالنفع على الصين فحسب، بل على المجتمع البشري ككل”، مُشيرًا إلى أن الصين، بأراضيها الشاسعة وتنميتها الاقتصادية الرائدة على مستوى العالم، استجابت للتحديات العالمية، وتحملت بوعي مسؤولية أمة عظيمة.
وعلى الرغم من أن بولندا ليس لديها صحراء، كما أشار كوموروفسكي، إلا أنها تنشط في مجال التحول الأخضر باعتبارها مشاركًا رئيسيًا في مبادرة الحزام والطريق، وأوضح الرئيس السابق أن بولندا كانت واحدة من أكبر منتجي الفحم في أوروبا، ومع تسارع تحول الطاقة العالمي، تقوم بولندا على تطوير صناعات الطاقة الجديدة والطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وأكد أن الصين وبولندا تواجهان مهمة تتمثل في التحول العميق للطاقة وتطوير اقتصاد الطاقة الخضراء، وهناك مساحة واسعة للتعاون في مجال الطاقة الجديدة.