تخيل أن سيارتك كادت أن تنقلب بواسطة فيل بري في أفريقيا، أو كنت على وشك أن يفترسك أسد، أو انتُزع الطعام من بين يديك بواسطة قرد ماكر، تلك مغامرة لا تصدق، ومصدر بيانات رائعة لوانغ شينغ وي، الباحث في مركز البحوث الصينية الأفريقية المشتركة التابع للأكاديمية الصينية للعلوم (CAS).
لقد أخذ وانغ “العمل الميداني” إلى مستوى جديد تمامًا، فاللقاءات التي يقوم بها على أرض الواقع صادمة جدًا، ممثل وجود “المامبا السوداء”، واحدة من أكثر الثعابين السامة في العالم، تنزلق فوق قدميه.
يتذكر تلك الواقعة بقوله “لقد منعني المرشد المحلي من التحرك. ومن أجل صرف انتباهي، طلب مني أن أنظر إلى الطيور البعيدة، ربما كانت تلك الثواني هي الأطول في حياتي”، مُدركًا تمامًا أن لدغة واحدة من الثعبان قد تنهي حياته.
وعلى الرغم من الحاجة إلى اليقظة المستمرة، يعتقد وانغ أن جهود “العمل الميداني” جديرة بالاهتمام، حيث قال إن “العديد من الاكتشافات العلمية لا يمكن تحقيقها إلا على أرض الواقع، ومن خلال التواصل والعمل الميداني مع الشركاء الأفارقة فحسب يمكننا فِهم أهمية البحوث التعاونية الصينية الأفريقية بشأن التنوع البيولوجي وعجائب الطبيعة”.
ويعمل مركز البحوث الصيني الأفريقي المشترك بمثابة بوتقة يتم من خلالها تعزيز وتقوية التعاون بين الصين وأفريقيا في مجال التنوع البيولوجي، وفي الوقت الحالي، قام المركز بتوظيف وتدريب 282 من طلاب الدراسات العليا الأفريقيين في مجالات مختلفة؛ مثل الحفاظ على التنوع البيولوجي واستخدامه، وإنشاء مجموعة من المواهب المحلية للبحث العلمي في العديد من البلدان الأفريقية.
التعاون بين الصين وكينيا
يقع المركز في حرم جامعة جومو كينياتا للزراعة والتكنولوجيا، على مشارف العاصمة الكينية نيروبي، وهي أول مؤسسة بحثية وتعليمية شاملة تم بناؤها بشكل مشترك بين الصين وكينيا في عام 2013، ويعد المؤتمر بمثابة منصة مهمة للتعاون العلمي والتكنولوجي وتنمية المواهب بين الصين وكينيا، وكذلك القارة الأفريقية بأكملها، في مجالات مثل الحفاظ على التنوع البيولوجي ومراقبة البيئة الإيكولوجية وعلم الأحياء الدقيقة والتطبيقات الزراعية الحديثة.
وقال يان شيويه، المدير التنفيذي للمركز، لصحيفة جلوبال تايمز، إن أفريقيا هي واحدة من أكثر المناطق تنوعًا بيولوجيًا في العالم، حيث يوجد بها أكثر من 40 ألف نوع من النباتات، ومع ذلك، فإن التداخل بين الأنواع النباتية الأفريقية والصينية لا يتجاوز 7 في المائة، مما يشير إلى وجود تكامل قوي بين شكل البحوث التي أجراها الجانبان.
وبحسب يان، فإنه بسبب عدم كفاية وسائل النقل خلال موسم الأمطار، يتم إجراء المسوحات الميدانية بشكل رئيسي خلال موسم الجفاف، وتستمر لمدة شهر إلى شهرين.
يتطلب العمل الميداني جهدًا بدنيًا، ويتضمن التصوير الفوتوغرافي والتصنيف والتسجيل وجمع العينات. في المساء، يحتاج الباحثون إلى إعداد العينات من خلال الضغط بين عشية وضحاها، ويحتاج فريق البحث إلى العمل لأكثر من 10 ساعات يوميًا، وفي الأوقات الأكثر ازدحامًا، يحصلون على 5-6 ساعات من النوم يوميًا، وقال يان إن هذا الشكل من التعاون الوثيق هو الذي عمق العلاقة بين الباحثين في البلدين.
قال جيفري مواتشالا، كبير الباحثين في المتاحف الوطنية في كينيا، لصحيفة جلوبال تايمز إنه يستمتع بالعمل مع العلماء الصينيين لأنهم “يلتزمون بالجداول الزمنية بشكل جيد للغاية ويهتمون بشكل ممتاز بالتفاصيل – وهو أمر مهم للغاية لهذا النوع من العمل”، مُضيفًا “الطلاب الصينيون يعملون بجد، ومهذبون للغاية، وقد ساهموا بشكل فعال في بعض المقالات التي تمت مراجعتها وتم نشرها خلال التعاون”.
لا يزال جيفري يتذكر “مغامرة” واحدة خاضها أثناء إجراء تحقيق ميداني مشترك في ناندي هيلز في مقاطعة ناندي في أبريل 2018 “كنا نتعرض لعواصف رعدية بعد الظهر، ونتبلل كل يوم دون أن يكون لدينا وقت لتجف معدات عملنا، قبل التحقيق في اليوم التالي، تبين أن من بين النباتات التي جمعناها كان أول ظهور لنبات نيرفيليا الأرجواني شمال خط الاستواء”، يتذكر بحماس.
وخلال التعاون، أشار يان إلى أن العديد من العلماء الأفارقة لديهم أسس أكاديمية متينة ومعرفة مهنية غنية، وهو ما يجب أن يتعلم منه العديد من العلماء الصينيين الشباب، ومن خلال الجهود المشتركة للباحثين من الجانبين، اكتشف المركز رسميًا 16 نوعًا نباتيًا جديدًا في أفريقيا، منها 14 نوعًا في كينيا واثنان في مدغشقر.
ترسيخ الجذور
بالنسبة للبلدان الأفريقية، فإن الخطوة الأولى في الحفاظ على البيئة هي فهم التنوع البيولوجي الخاص بها، وفي إطار هذا الهدف، نشر العلماء الصينيون والأفارقة بشكل مشترك كتاب “نباتات كينيا” بدعم من المركز والمتاحف الوطنية في كينيا.
يعتمد كتاب “نباتات كينيا” على أبحاث مكثفة في الأدبيات ومراجعة العينات وتحديد هويتها، بالإضافة إلى نتائج المسوحات الميدانية المتعددة التي أجراها الفريق في كينيا، هي دراسة تصنيفية شاملة تسجل جميع النباتات الوعائية في كينيا في 31 مجلد، وتضم ما يقرب من 7000 نوع.
ووفقًا ليان، فإن ذلك الكتاب يُعد أول كتاب يتحدث النباتات في كينيا، حيث يوفر معلومات أساسية وأدلة علمية حاسمة لحماية التنوع النباتي، واستخدامه المستدام في كينيا وشرق أفريقيا، ويحمل أهمية كبيرة للبحث العلمي الأساسي، والحفاظ على الموارد الطبيعية، والاستدامة الاقتصادية والاجتماعية في كينيا والبلدان الأفريقية الأخرى.
وقال مواتشالا، بصفته أحد رؤساء التحرير، إن شركة فلورا الكينية تجعل المعرفة حول النباتات الكينية متاحة، مما يجعلها مفهومة لمجموعة واسعة من المستخدمين غير المتخصصين، وبذلك يمكن إثراء نسخة الإنترنت بسهولة بالمعرفة الجديدة، بالتالي إبقائها محدثة في المستقبل.
ووسط الذكرى السنوية العاشرة لمبادرة الحزام والطريق التي اقترحتها الصين، يتوقع يان ومواتشالا المزيد من التعاون، مع تعزيز الجهود لنشر العلوم والحماية البيولوجية للسكان المحليين، والمساهمة في مخرجات البحوث نحو استكمال مشروع فلورا كينيا.