تُوجه كثير من الانتقادات لوزير الخارجية البريطاني، جيمس كليفرلي، بسبب زيارته للصين، وتناقلت عدد من وسائل الإعلام تلك الانتقادات، على رأسها ما قاله أحد قارئي الأخبار، الذي قال عن كليفرلي “كان يتصدى للانتقادات في المنزل من البعض داخل حزبه بسبب التحدث إلى حكومة أكثر قمعية من أي وقت مضى”.
فاينانشيال تايمز ذكرت أيضًا انتقادات وُجهّت لكليفرلي من قِبل السير إيان دنكان سميث، وهو رئيس سابق لحزب المحافظين الحاكم، وهو واحد من أعضاء البرلمان الذين فرضت الصين عقوبات عليهم، بسبب تحدثهم علنًا عن قضايا حقوق الإنسان، ورفض سميث زيارة وزير الخارجية، واصفًا إياها بـ”مضيعة للوقت”، قائلًا إن الحكومة لا ينبغي لها أن “تركع” للصين.
ونقلت صحيفة ديلي ميل عن سميث قوله إن زيارة كليفرلي إلى بكين “تفوح منها رائحة فظيعة” من أسلوب “الاسترضاء” الذي يُشبه ما حدث في ثلاثينيات القرن العشرين، في إشارة إلى ربط تلك الزيارة بالسياسة التي اتبعتها بريطانيا تجاه ألمانيا النازية، عندما سمح رئيس الوزراء نيفيل تشامبرلين لهتلر بتوسيع الأراضي على أمل تجنب الحرب.
كليفرلي في وضع دفاعيّ
وفي مواجهة مثل هذه الانتقادات من داخل صفوفه، اضطر وزير الخارجية إلى اتخاذ موقف دفاعي خلال رحلته القصيرة إلى الصين، بدأ خط سير رحلته بلقاء نائب رئيس الوزراء هان تشينغ، وبعد ذلك توجه إلى مقر إقامة السفير البريطاني في بكين.
أثناء وجوده هناك، تحدث إلى مراسل بي بي سي في الصين، ستيفن ماكدونيل، لإجراء مقابلة تم استخدامها على نطاق واسع في التلفزيون والراديو والإنترنت، قال فيها كليفرلي: “أنا أختلف بشكل أساسي مع تلك الأصوات؛ بما في ذلك الأشخاص الذين أعتبرهم أصدقاء جيدين، الذين يريدون أن ننفصل عن الصين، لا أعتقد أن هذا خيار، أعتقد أن لدينا تأثيرًا، ويجب أن نستخدم هذا التأثير”.
ثم سأله ماكدونيل”هل يمكنك الإشارة إلى أي مثال أدت فيه الرحلات إلى الصين، إلى تغيير جاد في حقوق الإنسان على أرض الواقع؟”، أجاب بذكاء: “أنا واقعي، أدرك جيدًا أن هذا التأثير لن يكون له رد فعل فوري، ولهذا السبب علينا التحلي بالصبر والثبات، ولهذا السبب أطرح قضايا تتعلق بحقوق الإنسان، وشينجيانغ، وهونغ كونغ، وبالفعل الحالات الفردية في كل مرة أعقد فيها اجتماعًا مع ممثلي الحكومة الصينية”.
تحدي الحزب الشيوعي الصيني
بعد المقابلة الإعلامية، توجه كليفرلي بعد ذلك إلى اجتماع مع وزير الخارجية ومستشار الدولة وانغ يي، وقالت وزارة الخارجية البريطانية إن كليفرلي أبلغ وانغ أن الصين تتحمل مسؤولية الضغط على روسيا لإنهاء غزوها لأوكرانيا، ونزع فتيل التوترات في بحر الصين الجنوبي، ووقف الأنشطة الخبيثة في الفضاء الإلكتروني.
كما تحدث كليفرلي عن الحقوق والحريات في هونغ كونغ بموجب قانون الأمن القومي الذي فرضته بكين، فضلًا عن مصالح المملكة المتحدة الأخرى؛ بما في ذلك العقوبات المفروضة على نواب المملكة، لكن وسائل الإعلام الصينية الرسمية لم تذكر تلك المواد المثيرة للجدل، وركزت على “التعاون الاقتصادي والتجاري” و”خلق بيئة أعمال سليمة”.
التفاؤل في معسكر الأعمال
عقد كليفرلي أيضًا اجتماعًا قصيرًا مع حوالي 15 من قادة الأعمال البريطانيين الذين تتواجد شركاتهم في الصين،
ولم تتم دعوة المراسلين لتغطية المناقشة، ولكن يبدو أن بعض أعضاء الوفد يشعرون بالإحباط بسبب العناوين السلبية العديدة حول تباطؤ النمو الصيني، والتي ظهرت بشكل بارز في الصحافة الرئيسية.
وعلّق كريس تورينز، نائب رئيس غرفة التجارة البريطانية في الصين والمسؤول التنفيذي في شركة “مخاطر التحكم” الاستشارية، لبلومبرج إن اقتصاد الصين ليس سيئًا كما يوحي “المزاج السائد”، وقال إن “النمو يتحرك في الاتجاه الصحيح” مع ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي، مُضيفًا أنه لا يقتنع بفكرة معاناة الاقتصاد الصيني من مشكلة نظامية خطيرة”.
إلى تايوان بعد ذلك؟
حمل كليفرلي معه بذكاء رسالة رسمية من 10 داونينج ستريت (مقر رئيس الوزراء الرسمي) إلى تشونغنانهاي، وقال لوانغ يي: “في نهاية المطاف، من المهم لرئيس وزرائنا ورئيسكم أن تتاح لهم الفرصة للتحدث مباشرة”، في إشارة إلى رغبة رئيس الوزراء ريشي سوناك في عقد اجتماع ثنائي مع شي جين بينغ في قمة مجموعة العشرين، التي من المقرر عقدها في وقت لاحق هذا الشهر في نيودلهي، على الرغم من أن التقارير هذا الأسبوع تُشير إلى احتمالية تخطي شي الاجتماع.
توجد أيضًا مناقشة مثيرة للاهتمام حول إمكانية قيام وزير بريطاني بزيارة رسمية إلى تايوان، أليسيا كيرنز، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بمجلس العموم من حزب المحافظين،قال على موقع إكس(تويتر سابقًا) إن من الضروري أن يوازن كليفرلي بين الزيارة إلى بكين، ورحلة إلى تايبيه لإظهار أن المملكة المتحدة لم تتخلى عن الجزيرة.
وقالت: “من الضروري أن يقف كليفرلي بثبات إلى جانب تايوان، وأن يوضح أننا سندعم حقها في تقرير المصير، ولا يتوافق هذا الالتزام مع القيم البريطانية فحسب، بل يخدم أيضًا كرسالة إلى الأنظمة الاستبدادية مفادها أنه لا يمكن تقويض السيادة من خلال العنف أو الإكراه”.
اتصل مشروع الصين بالمكتب التمثيلي لتايبيه في لندن بشأن اقتراح كيرنز، رد المتحدث الرسمي بأنه سيكون من دواعي سرورهم الترحيب بكليفرلي، إذا كان يرغب في زيارة الجزيرة.
ومع ذلك، فإن مثل هذه الرحلة لن تكون لها سابقة دبلوماسية، خاصة مع التزام بريطانيا بما يسمى سياسة “صين واحدة”، وبالتالي ليس لديها علاقات رسمية مع تايوان، ولم تكن هناك زيارات حديثة إلى تايبيه من قِبل وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي أو مجموعة السبع، وعندما زارت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي تايبيه في الصيف الماضي، أطلقت بكين مناورات عسكرية مكثفة ردًا على ذلك.
وبحسب مسؤولون في وزارة الخارجية البريطانية فإن تايوان لم تكن موضوعًا رئيسيًا في المناقشات بين كليفرلي وهان تشانغ ووانغ يي.