في انتصار جديد للاكتشافات الأثرية في الصين، عُثر على أقدم كهف، معروف باسم كهوف موجاو، يُبرز الكهف ثقافة دونهوانج وتعزيزها.
يعود تاريخ كهوف موجاو إلى 1657 عامًا إلى الوراء، فيما يرجع أحدث كهف نحو ثمانية قرون سابقة، تشبه تلك الكهوف كبار السن الذين يحتاجون إلى رعاية دقيقة، وإعادة إحياء لثقافة دونهوانج، وأكد سو بومين، مدير أكاديمية دونهوانج، على ضرورة استخدام تدابير الحماية العلمية لإطالة عمر حيوانات الكهوف، ومن ثم إجراء أبحاث متعمقة لتعزيز ثقافة دونهوانج.
الأساليب العلمية في مجال الآثار
في الآونة الأخيرة، أصدرت سلطات الحفاظ على التراث الثقافي في الصين توجيهات لتحديد أولويات الأساليب العلمية في الحفاظ على الآثار الثقافية.
وقال سو، وهو كيميائي حسب المهنة وخبير في تكنولوجيا الآثار الثقافية، انضم إلى الأكاديمية في عام 1992 عندما كان المختبر بدائيًا نسبيًا، إن مهمته الأولية كانت تحليل التركيب الصبغي للجداريات داخل الكهوف.
وأضاف قائلًا “من خلال دراسة تغير لونها، اكتشفنا وجود علاقة مع عوامل مثل الهواء والبيئة والضوء والرطوبة”، وتابع بقوله “تسمح لنا هذه المعرفة بمنع هذه العوامل الرئيسية بشكل كافٍ من التأثير بشكل أكبر على الأصباغ”.
وفيما تتعرض الجداريات إلى تهديدات أخرى مثل تغير اللون وتبلور الملح، ويُشار إلى تلك التغيرات باسم “سرطان” الجداريات، بحسب ما يذكر سو.
تمكن فريق سو في كشف السبب وراء الإزهار، بعد أكثر من 80 محاولة، وطور الفريق تقنيات مبتكرة للسيطرة عليه، وذلك من خلال التعاون لمدة سبع سنوات مع معهد جيتي للحفظ في الولايات المتحدة بشأن ترميم وحماية الكهف رقم 85 بدءًا من عام 1997.
ويقول سو إن الإزهار يحدث بسبب وجود أملاح قابلة للذوبان في الطبقة الداعمة (جدار الكهف الصخري) والطبقة الأرضية (طبقة الطين العشبية) من الجداريات، التي تمتص الرطوبة من الهواء، مُضيفًا أنه عند تعرضه للهواء الجاف، يتبلور الملح الموجود في الرطوبة إلى جزيئات بيضاء، ويؤدي تكرار تبلور الملح القابل للذوبان إلى إتلاف الأرض والطبقات المطلية من الجداريات.
وأشار سو إلى أنه قام بالتعاون مع خبراء أمريكيين، بتطوير تقنية تحلية المياه التي تقلل نسبة الملح في الأرض والطبقات المطلية، لافتًا النظر إلى أنه قم بتقليل تأثير تقلبات رطوبة الهواء على الجداريات على نحو كبير، فيما تعد تكنولوجيا تحلية المياه علامة فارقة في تاريخ حماية الجداريات في الصين.
وشدد سو على أهمية العلوم والتكنولوجيا في نجاح الأكاديمية، قائلًا: “لقد أصبح هناك إجماع داخل أكاديمية دونهوانج على تقديم المبادئ العلمية والتكنولوجيا اللازمة لحماية الآثار الثقافية”.
الموازنة بين الحفاظ على الآثار والسياحة
تحول التركيز في حماية كهوف موجاو من إنقاذ الآثار إلى منع تدهورها في المستقبل، وفقًا لما ذكره سو، وقال: “تركيزنا المستقبلي ينصب على الحماية الوقائية، التي تشمل إنشاء نموذج للإدارة العلمية ومواصلة البحث المتعمق في التغيرات البيئية الطبيعية للمواقع القديمة، يليها تنفيذ تدابير وقائية”.
وقد طورت أكاديمية دونهوانج نموذجًا لإدارة السياحة في كهوف موجاو؛ يهدف إلى تقليل الأضرار التي لحقت بالكهوف مع ضمان تجربة إيجابية للزوار، ومن خلال البحث العلمي والاستكشاف العملي، تبنت الأكاديمية الآن نموذجًا لإدارة السياحة في كهوف موجاو، الذي يستفيد من الحجز عبر الإنترنت والشاشات الرقمية واستكشاف الكهوف.
في ذروة المواسم السياحية، غالبًا ما تعاني مناطق الجذب الشهيرة من الاكتظاظ، مما يعيق تجربة الزائر ويشكل ضغطًا كبيرًا على المواقع التراثية، ولتحقيق التوازن بين حماية الآثار وتجربة الزائر، قال سو إن كهوف موجاو كلفت بإجراء “دراسة لقدرة الزائرين” في عام 2002، بالتعاون مع معهد جيتي للحفاظ على الآثار ولجنة التراث الأسترالية، التي تهدف إلى تقييم وتحليل الحد الأقصى لعدد الزوار لما يمكن أن تستوعبه الكهوف في يوم واحد.
وأشارت النتائج إلى أن الحد الأقصى لعدد الزوار اليومي لكهوف موجاو هو 6 آلاف شخص، كما تم تحديد الحدود العليا للتحكم في البيئة الدقيقة للكهف، فمن المفترض ألا تتجاوز رطوبة الكهف 62 بالمائة، كما يجب عدم تجاوز مستويات ثاني أكسيد الكربون 1500 جزء في المليون.
ويضم الآن الموقع أدوات مراقبة في الوقت الفعلي في جميع الكهوف، حيث تعرض الظروف البيئية الدقيقة على شاشة كبيرة في مركز المراقبة.
في عام 2010، أفادت الدورة الرابعة والثلاثون للجنة التراث العالمي أن طريقة إدارة السياحة التراثية في كهوف موجاو أنشأت نموذجًا “بالغ الأهمية” أوصت به لمواقع التراث العالمي الأخرى.
ولتلك قصة؛ ففي أواخر الثمانينات شرعت أكاديمية دونهوانج في الاستكشاف الرقمي، بهدف تحقيق الحفاظ الدائم والاستخدام المستدام لكهوف موجاو من خلال الوسائل الرقمية، وكشف سو أن هذا المسعى حقق نجاحًا كبيرًا.
تم إدراج نسخة رقمية من كهوف موجاو في سجل ذاكرة العالم التابع لليونسكو في عام 2013، وتتكون عملية الحفظ الرقمي للموقع من جانبين رئيسيين؛ المسح ثلاثي الأبعاد للكهوف وإنشاء قاعدة بيانات رقمية.
وقال سو: “في أوائل التسعينيات، ومع تطور تكنولوجيا الكمبيوتر، بدأنا في استخدام المسح بالليزر ثلاثي الأبعاد لمسح الكهوف المختلفة، وفي عام 1999، نفذنا مشروع مسح ثلاثي الأبعاد شامل لكهوف موجاو بأكملها، وأنشأنا قاعدة بيانات رقمية”.
تخدم قاعدة البيانات الرقمية هذه أغراضًا متعددة، حيث إنها تُسهّل الزيارات الافتراضية إلى الكهوف، مما يُمكّن الأشخاص في جميع أنحاء العالم من استكشاف الأعمال الفنية الرائعة دون الدخول فعليًا إلى الكهوف، بينما تعمل أيضًا كمورد قيم لجهود البحث والترميم.
علاوة على ذلك، تمتد جهود الرقمنة إلى ما هو أبعد من كهوف موجاو، لتشمل مواقع تاريخية أخرى في دونهوانج، مما يشكل منصة دونهوانج الرقمية الشاملة.
التعاون الدولي
لا تقتصر ثقافة دونهوانج على حدود الصين؛ فلها أهمية عالمية، وشدد سو على أهمية التعاون الدولي في الحفاظ على ثقافة دونهوانج.
وقد شاركت أكاديمية دونهوانج في تعاون دولي واسع النطاق، حيث تعاونت مع منظمات مثل معهد جيتي للحفظـ، وأعرب سو عن امتنانه للدعم الذي تلقاه من شركائها الدوليين، قائلًا “لقد قدم لنا معهد جيتي للحفظ، على سبيل المثال، العديد من الإنجازات والتقنيات المهمة، فقد تعاونا لأكثر من 30 عامًا”، وأكمل حديثه واصفًا تلك الشراكة بكونها “ناجحة ومتناغمة للغاية”.
وبالنظر إلى المستقبل، يرى سو استمرار التعاون مع الشركاء الدوليين، مُؤكدًا على الحاجة إلى جهد جماعي في الحفاظ على التراث الثقافي العالمي.
وقال: “إن ثقافة دونهوانج تتمتع بالسحر الذي يجذب الناس من جميع أنحاء العالم، ونأمل أنه من خلال جهودنا المشتركة، سيستمر سحر ثقافة دونهوانج في الإشعاع ويتردد صداها على مستوى العالم”.